سورة النحل - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


ان تزل قدم بعد ثبوتها ان تقعوا في المحن والخطايا ما عندكم ينفد: ينتهي ولا يبقى. فاذا قرأت القرآن فاذا اردت ان تقرأ القرآن. السلطان: التسلط. يتولونه: يطيعونه.
{وَلاَ تتخذوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُواْ السواء بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ الله وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
يؤكذ الله تعالى على التمسّك بالعهود والأيمان، والمحافظة عليها، ويحذّر من نقضها واتخاذها سبيلاً للمكر والخديعة والتغرير بالناس، رجاء منفعة دنيوية زائلة. وفي هذه الآيات تهديد ووعيد لمن ترك الحق إلى الباطل، والهدى إلى الضلال.
ثم اكد هذا التحذير بقوله: {وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ الله ثَمَناً قَلِيلاً إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
لا تغرَّنَّكم الدنيا فتؤْثِروا منافعكم الخاصة بنقض العهود، فانّ متاعَ الدنيا قليل زائل، مهما كان كثيراً، وان ما عند الله من جزيل الأجر والثواب هو خيرٌ لكم من ذلك العَرَض القليل إن كنتم من ذوي العقول الراجحة.
{مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ الله بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الذين صبروا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
ان كل ما عندكم زائل لا يبقى، وما عند الله من نعيم الآخرة خالد لا ينقطع، وسوف نكافئ الذين صبروا على مشاق التكليف بما وعدناهم، بثوابٍ احسن بكثير مما كانوا يعملون.. ينعمون به دائما في جنات عدن.
قراءات:
قرأ ابن كثير وعاصم: {ولنجزين} بالنون، والباقون {وليجزين} بالياء.
ثم رغّب في المثابرة على أداء الطاعات والواجبات الدينية فقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}.
في هذه الآيات الكريمة حَضٌّ على العمل الصالح لجميع الناس ذكورا واناثا، وان العمل الصالح مع الايمان جزاؤه طيبة في هذه الدنيا، يحيا فيها مطمئنا في رعاية الله وعند الله في الآخرة له الجزاء الأوفى، والنصيب العظيم من الأجر والثواب. وقد كرر الله قوله: {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} للترغيب في العمل الصالح.
{فَإِذَا قَرَأْتَ القرآن فاستعذ بالله مِنَ الشيطان الرجيم}.
هنا يرشدنا الله تعالى إلى ان الذي يحمي النفس من كل شر هو القرآن الكريم، فاذا اردت ايها المؤمن ان تقرأ القرآنَ فاستعذْ بالله من الشيطان الرجيم، وبذلك تفوز بطيب الحياة في الدارَين.
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ على الذين آمَنُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ}.
إذا فعلت أيها المؤمن ما أمرك الله مخلصاً، حماك الله من الشيطان، لنه لا تأثير له على الذين آمنوا بصدق، وعلى ربهم يتوكلون، واليه بقولوبهم يتوجهون.
أما الفريق الثاني الذين يجعلون الشيطان وليَّهم، ويستسلمون له بشهواتهم ونزواتهم فهم الذين عناهم بقوله: {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ على الذين يَتَوَلَّوْنَهُ والذين هُم بِهِ مُشْرِكُونَ}.
يعني أنهم اشركوا بسبب طاعتهم للشيطان وليِّي امرهم، وبسبب اغوائه لهم- بالله جلّ جلاله.


واذا بدلنا آية مكان آية: غيرنا ونسخنا مكانها آية. روح القدس: جبريل. يلحدون اليه: يميلون اليه. الأعكي: من كان غير عربي.
{وَإِذَا بَدَّلْنَآ آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ والله أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قالوا إِنَّمَآ أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ}.
واذا نسخنا حكم آية فأبدلنا مكانه حكم آية اخرى (والله اعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدل، وهذا دليل على مرونة الشرع الاسلامي، فقد تستدعي الحكمة والمصلحة ان يشرع الله حكما لعباده لامد معين، فيفعل، حتى إذا انتهى الامد واقتضت المصلحة التغيير شرع غيره مكانه) قال المشركون انما انت متقوِّل على الله تأمر بشيء ثم تنهى عنه، وان اكثرهم جاهلون لا يعلمون الحقائق.
ثم بين الله لهؤلاء المعترضين على حكمة النسخ، الزاعمين ان ذلك لم يكن من عند الله وان رسول الله قد افتراه فقال: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القدس مِن رَّبِّكَ بالحق لِيُثَبِّتَ الذين آمَنُواْ وَهُدًى وبشرى لِلْمُسْلِمِينَ} وهذا رد واضح من الله تعالى بانه هو الذي انزل هذا القرآن من عنده تثبيتا للمؤمنين وليكون هاديا للناس إلى الصواب ومبشرا بالنعيم المقيم للمسلمين.
{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وهذا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ}.
وإنا لنلعم ان هؤلاء المشركين يقولون افتراء، ان رجلا من البش يعلم محمدا هذا الذي يتلوه عليكم. وهذا الذي يزعمون هو عبد رومي كان يقرأ التوراة بلغة اعجمية. فلسان الذي يقولون عنه أعجمي لا يفصح، والقرآن لسان عريبي مبين واضح، تحداكم به اكثر من مرة، ولم تستطيعوا ان تأتوا بآية من مثله.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي: {يلحدون} بفتح الياء والحياء. والباقون {يحلدون} بضم الياء وكسر الحاء، وهما لغتان: لحد، وألحد.
ثم توعدهم الله على ما قالوا بالعقاب في الدنيا والآخرة فقال: {إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ الله لاَ يَهْدِيهِمُ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
ان الذين اصروا على كفرهم ولم يؤمنوا بأن هذه الآيات من عند الله لا يهديهم الله، وفي الآخرة لهم عذاب اليم، ولا يفتى الكذب على الله الا الذين كفروا وجحدوا الوهيته واولئك وحدهم هم الكاذبون.


اكره: غصب بالضغط. من شرح بالكفر صدرا: اعتقد الكفر من طيب نفس. لا جرم: حقا، لاشك.
{مَن كَفَرَ بالله مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بالإيمان}.
ان الذين يكفرون بعد أن دخلوا الإسلام وآمنوا عليهم غضبُ الله، ويستثنى من ذلك من أُمره على الكفر بالضغط والتعذيب ونطق بالكفر ولكنه مؤمن ايماناً صادقاً، فلا لوم عليه. وقد ان كفار قريش يعذّبون الضعفاء من المسلمين الذين ليسوا من قريش مثل عمار بن ياسر وابويه وبلال وغيرهم، ويجبرونهم على النطق بكلمة الكفر، فاذا لم يفعلوا قتلوهم، فنزلت الآية تجيز لهم النطقَ بكلمة الكفر ظاهرا ليتخلصوا من عذاب المشركين، ولا تثريبَ عليهم.
{ولكن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ الله وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
أما الذين كفروا طائعين مختارين، فغضب الله عليهم ولهم عذاب عظيم في الآخرة.
{ذلك بِأَنَّهُمُ استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وَأَنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الكافرين}.
هؤلاء الذين كفروا طوعا واصروا على لاشرك إنّما آثروا الحياة الدنيا وزينتها على نعيم الآخرة، والله لا يوفق من يشر به ويجحد آياته.
{أولئك الذين طَبَعَ الله على قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وأولئك هُمُ الغافلون}.
إنّ الذين اتصفوا بما تقدم لهم الّذين طبع اللهُ على قلوبهم وسمعهم وابصارهم فأغلقَها عنا لحق، فلا يؤمنون ولا يهتدون.
{لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخرة هُمُ الخاسرون}.
لا شك بأنهم هم الخاسرون لكل خير في الدنيا والآخرة، ولا خسرانَ أعظمُ من غضب الله.
{ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}.
ثم اعلمْ ايها النبي ان ربك ناصرٌ الذين هاجروا من مكة فراراً بدينهم، وبأنفسهم من عذاب المشركين، ثم جاهدوا وصبروا على مشاق التكاليف، ان ربك من بعد ما تحمّلوا ذلك الغفورٌ لما حصل منهم، رحيم بهم فلا يؤاخذُهم على ما أُكرهوا عليه... الآية كما يظهر من لفطها تعم جيمع الذين اضطهِدوا وعذَّبوا من ضعفاء المسلمين.
{يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وتوفى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}.
ويوم القيامة يأتي كل إنسان لا يهمه الا نفسه والدافع عنها، وينسى كل شيء من مال ووالد وولد، والله تعالى يومئذ يوفّى كل نفس جزاءَ ما كسبت من اعمال، ولا يظلم ربك احدا.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9